الأحد، 28 ديسمبر 2008

قولوا لأمي...


قولوا لأمي


عائدةٌ أنا هذا المساءْ ،
أسري في النسيمِ
شرياناً للذهولْ ،
مسرّةً للماءِ ... مطراً..
نبيةً ..
في غسق الينابيعِ الغائرةِ ،
- سرِّي ؟!
-أنثىً كنتُها
قبلَ ذهولِ الأرضِ
وانبعاثِ رحمِها...
نجمةَ البَدءِ
حتى مداك َ الأخيرِ
أكونْ

قولوا لأمي
القبرُ لم يعدْ يليقُ بها
المخاضُ على أعتابهِ
يناديكِ تعالي...
وتجيءْ ...
كالمعجزةِ تجيءُ
كأولِ البشرِ ...
أسطورةً وحدهَا... تجيء
تعمِّدُ راحتيَّ بحنائِكَ الكونيْ
أصرخُ
من ارتكب الخطيئةَ ...
أنا أم هوْ ؟؟

قولوا لأمي
أطرافي غيمٌ
لغتي ماءٌ فكيفَ نبَتُّ فيها
سنبلةً لا تجفُّ ؟
كيفَ سرقَتني منها
الأمهاتُ...؟؟
وقامت نطفةٌ تتثاءبُ
تناديني...
كوني أمي...!
فكنتُ

قولوا لأمي
ما غَربتْ شمسُ صرختيَ الأولى
في فضاءِ الجنونْ
ما نَسيتُ كفّيها في السماء
....تلك الطفلةُ
منذورةٌ للذبولِ ...
فامتحِنيْها حبراً من نُسغِ الروحِ
كلّما أنَّ الصمتُ
فاضَ نحوَ الغيومِ ...
والصرخةُ تهوي بهِ
صخرةً سرمدية الحنينْ

قولوا لأمي
سبّابةُ المواجعِ القديمةِ
تشيرُ إلىّ كلّما أخذتُ رأسهُ
بين جنونينا
وانبريتُ كالريحِ ...
كلّما غنيتُ
تعرَّشَ الشيطانُ
على صوتي...
كلّما قلتُ له : أحبكَ
أوجعتني الذاكرة...
منذ حينٍ ماتَ !
وحين أسمع الصدى... أحبكِ...
أكون قد متُ
في صيفٍ بعيدْ ...

قولوا لأمي
تلك هي الخاتمةْ
وذاك ما فعلته الريحُ بقبري .
حروفٌ مبعثرةٌ تدورُ
تدورُ ...
وصوتي معلقٌ
في الفضاء ينتظرْ
***
في موتي القادم..
غرفتي سترقصُ موجوعةً بي
وأدمعي السريةُ تصرخُ :
أطلقوني من صليب النوافذ
من الجدرانِ التي تتحرّشُ بي ...
أعلنوني نغماً للنهاياتِ ...
أغنيةً مذبوحةً على كفِّ الأجلْ .

***
مسائي غامضٌ
كلمعةٍ في حزنِ البريء .
خزيٌ هي أم ضجرْ ؟؟
أسألُ عني كلّما نأيتُ
ويسألُ عني
حين تنامُ ضفائرُ وجدي
على ضفةِ نبعٍ مسكونٍ بالغيابْ

قولوا لأمي
جسدي مدىً
وصحرائي ذابلةٌ
عينايَ ذاكرةٌ للطرقات
أصابعي أشرعةٌ لاسمي
أمضي ...
حنيني قاتلٌ ....
ضجري قاتلٌ ....
وروحي ... معابرٌ للسراب...
أيّها الغائبُ في عينيه ! .

هناك تعليق واحد:

أحمد الخطيب يقول...

قصيدة رائعة بمعنى الكلمة، فيها لغة مشوبة بإطلاق جناحي عصفور طليق، قصيدة وافرة الدلالات، وغنية بالصور، والجمال الآخذ بآفاق الرؤى، للتوأمة بين الحنين القاتل والضجر القاتل، الحنين الآسر والضجر الحر، قصيدة بناؤها محكم، وعلاقاتها واضحة، وسريرتها فائضة عن مسار التمرّد، فيها الأنا المتحررة من القلق رغم أرضية القبر، وفيها فضاء أخضر لفاعلية " كن "، اهنئك على هذا النص الشعري بامتياز